الجمعة 26 أبريل 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13

درب غلف معقل قراصنة المعلوميات والباحثين عن أحدث التكنولوجيا

تابعونا على الفايسبوك

«جمهورية» مطرح مديونة تهزم سلطات الدار البيضاء

كازا 24 الأحد 21 يناير 2018

يحكمها البوعارة وتجار الخردة والكسابة ويستفيد منها مسؤولون راكموا الملايير من تحويل التراب لأزبال

هزم «مطرح مديونة» مكتب الجماعة الحضرية للبيضاء، واستسلم أعضاؤه لـ«لوبي جبار» مكون من منتخبين ومسؤولين و«بوعارة» وتجار «خردة» و«كسابة» يتحكم في مفاصل هذا المرفق العمومي، ويرفض “تسليمه” إلى أصحابه، كما يضع جميع العراقيل للانتقال إلى المطرح الجديد بجماعة المجاطية ولاد الطالب، رغم “تسوية” مشكل العقار، وانطلاق أشغال التهيئة به.
فما الذي يجري، بالضبط، بأطراف العاصمة الاقتصادية؟ ولماذا يعجز عمدة المدينة عن حل هذا المشكل جذريا كما فعل مع شركة “سيطا بلانكا”؟ وما هي “الجهات” التي تخيف مسؤولي المدينة وترعبهم كلما اقتربوا من هذا الملف؟ وما حقيقة مبلغ 15 مليارا تدين بها الجماعة للشركة المدبرة؟ ولماذا ترفض الأخيرة تنفيذ البند المتعلق بالفرز والمعالجة والتثمين واستثمارات تجميع ومعالجة “ليكسيفيا”؟ وكم تدر المزبلة، يوميا، على لوبي “الخردة” و”الفرز” العشوائي وتجار “الأتربة” ومربي الأغنام والأبقار؟ وهل يعلم البيضاويون، فعلا، مخاطر القنبلة البيئية التي تتربص بهم؟

إنجاز: يوسف الساكت/ عن:الصباح 

في 18 نونبر 2008، وقعت الجماعة الحضرية للبيضاء على اتفاقية للتدبير المفوض لإعادة تأهيل مطرح مديونة اقترب، ساعتها، من مرحلة الملء الكلي، كما تضمنت الاتفاقية، التي حدد تاريخ انتهائها في 17 نونبر 2016، بندا يتعلق بإنجاز واستغلال مطرح عمـــــــومي مراقب.
نحن الآن في منتصف يناير 2018، ورغم ذلك، لم تنجز لا مهمة تأهيل المطرح القديم، ولا إنجاز واستغلال المطرح الجديد، والأفظع منهما استمرار عشرات الشاحنات التابعة لثلاث شركات في إلقاء ما حمولته 20 ألفا و800 حاوية أزبال، أي ما يعادل أربعة آلاف طن يوميا من الأزبال في المطرح القديم الذي من المفروض، حسب مضمون الاتفاقية، إغلاقه في 17 نونبر 2010.

خارج القانون

ليس ذلك، فحسب. فالمطرح الذي يقع على مساحة 80 هكتارا وينتصب “شامخا” بعلو الجبال فوق إقليم مديونة، يستقبل عشرات الأطنان، يوميا، من الأزبال المنزلية القادمة من الجماعات القروية والدواوير المجاورة، مُضافة إليها مخلفات أوراش البناء والأتربة والنفايات الطبية القادمة من بعض المستشفيات، ناهيك عن حمولات وشاحنات شركات “خاصة” تصل بشكل منتظم إلى المكان نفسه، وترمي ما في جوفها ثم ترحل، دون حسيب أو رقيب.
وسط هذه الفوضى، يمكن تخيل أي شيء، كل شيء تقريبا، عدا مطرح منظم بحدود واضحة وتجهيزات وبنيات تحتية منصوص عليها في عقد التدبير المفوض، ويعرف مسيروه ما يجري في “أروقته” ويتحكمون في مداخله ومخارجه.
فباستثناء “بوابة الميزان” التي تمر منها الشاحنات الحاملة للعلامات التجارية لشركات النظافة التي تتعاقد معها الجماعة الحضرية بشكل مباشر، أو عبر شركة “البيضاء للخدمات”، لا يتوفر المطرح، تقريبا، على أي تجهيزات أخرى، وأقلها سور بعلو محترم يمنع دخول “أي كان” إلى مرفق عمومي، ليفعل فيه ما يشاء على امتداد ساعات النهار وفي الليل أيضا، إلى حد أن البعض تجرأ وبنى مساكن وعششا ومقاهي ومطاعم عشوائية وسط جبال الأزبال تقدم أطباق السردين المقلي والبيصارة وكؤوس الشاي “المنعنع”.
أما الهاربون من العدالة وبعض تجار المخدرات، فلا يجدون مكانا أأمن من “المطرح” للاختباء والتواري على أنظار الأمن الوطني والدرك الملكي، ولم يتبق إلا أن يرفع “سكانه” علما فوف إحدى هضابه وإعلانه “دولة مستقلة”.

تنصل من الإلتزامات

يستغل مسيرو “مطرح مديونة” ترهل الجماعة الحضرية وتواطؤ بعض مسؤوليها لارتكاب مزيد من الجرائم المالية والبيئية.
فالبيضاء من المدن القليلة التي لا تتوفر على نظام مؤطر لعمليات الجمع الأولي للنفايات المنصوص عليه في القانون 00.28 المتعلق بتدبير النفايات، وبالتالي لا يمكنها تنظيم وتطوير قطاع الفرز وإعادة التدوير والتثمين وتنظيم الأشخاص الذين يقومون بذلك للوصول إلى نسبة 20 في المائة المنصوص عليها في البرنامج الوطني للنفايات المنزلية والشبيهة.
وبسبب هذا التراخي، لم تنجز الشركة المفوض لها أهم بنود عقد التدبير الخاص بإعادة تأهيل المطرح القديم، ونقصد وضع شبكة للتجميع ونقل ومعالجة عصير النفايات وفق المعايير العلمية والتقنية المعروفة وكذا شبكة تجميع ومعالجة الغازات الحيوية المحصلة من الأزبال، كما لم تستثمر الشركة في وضع الفاصل النشيط لمنع تسربات عصير النفايات (ليكسيفيا) إلى الفرشات المائية، والأمر نفسه بالنسبة إلى عدم تهييء الخزائن والخلايا لطمر النفايات وكذا الحواجز لفصل الخزائن عن الخلايا ومنع التسربات المائية الجانبية.
وتعتبر هذه الاستثمارات حيوية بالنسبة إلى أي مطرح، وغيابها يعني المغامرة بتحويل المكان إلى قنبلة بيئية تنفجر في أي وقت، ما يقع حاليا بمديونة التي تحول جزء أساسي منها إلى أنهار من “ليكسيفيا” لم يخرب فقط الفرشة المائية على امتداد عشرات الهكتارات وبعمق كبير، بل بدأت تزحف على الأراضي الفلاحية المجاورة، ووصل إلى الطريق الجانبي، ناهيك عن الروائح الكريهة التي تزكم الأنوف.

2000 “بوعار”

هذا الفراغ الذي تتركه الجماعة والشركة، يملؤه، بمنطق الطبيعة، أكثر من ألفي منقب في الأزبال (بوعار)، يتحكمون في جميع مفاصله ويفرضون قانونهم الخاص على الجميع، وإذا احتج مسؤول انتظموا في سلسلة كبيرة ومنعوا دخول الشاحنات وتسببوا في أزمة نظافة، كما وقع السنة الماضـية.
لا وقت محدد للمطرح، إذ يبدأ العمل مع وصول أول شاحنة في الصباح، وينتهي مع آخر شاحنة تغادر المكان في المساء، لتفسح المجال إلى قطعان (على حد الشوف) من الأغنام والأبقار التي ترتع في ركام الأزبال لساعات طوال، قبل أن تعود إلى حظائرها، وبعض القطعان لا تغادر المطرح إلا إلى السوق، أو المجزرة.
يتوزع “البوعارة” إلى فئات وفرق على رأسها رئيس، وكل فئة “مختصة” في نوع، أو نوعين من المواد العضوية الموجودة في الأزبال. فهناك فريق متخصص في الألمنيوم وبقايا علب المشروبات، وآخر في الخشب، وثالث في البلاستيك، ورابع في الأواني المنزلية.
ولـ”إنجاح” هذا التنظيم، يُفرض على سائق الشاحنة ومعاونيه، فور تجاوز بوابة الميزان، التوجه إلى “قطاع” محدد من أجل الإفراغ (يحدد القطاع حسب المنطقة والمقاطعة التي تأتي منها الشاحنة، لاختلاف الأزبال بين منطقة وأخرى).
وأثناء عملية الإفراغ، يتم فرز كل مادة على حدة وتجمع في أكياس كبيرة يطلق عليها اسم “شلايف” في انتظار “تقييمها” من قبل تجار “خردة” يوجدون في المكان مرفوقين بناقلاتهم وأموالهم “كاش”. يدفعون ثم يغادرون بالبضاعة التي يعاد “ضغطها” وتدوريها وتثمينها في معامل خاصة بمديونة وتعبأ في حاويات وتصدر إلى الخارج.
هذه التجارة اليومية التي تدر على أصحابها ملايين الدراهم سنويا، تحولت إلى “امتياز” لا يمكن الاقتراب منه. وتحدثت مصادر لـ”الصباح” أن “البوعار” المبتدئ يمكن أن يجني في اليوم حوالي 300 درهم، بينما تصل مداخيل المحترفين الكبار إلى 1500 درهم يوميا تجنى من فرز وتثمين حوالي 10 آلاف طن من الأزبال تلقى يوميا في المطرح.

ضـريـبـة الـفـوضى

تدفع شركات النظافة ضريبة تهاون العمدة في حل المشكل بشكل جذري، كما فعل مع شركة “سيطا بلانكا” التي قرر فسخ العقد معها، في خطوة أثارت انتباه الجميع، لكن دون أن يفهم عدد من المتتبعين كيف لا يفعل رئيس الجماعة الحضرية الشيء نفسه مع شركة “إيكوميد”، المسيرة للمطرح.
وتتعرض شاحنات الأزبال إلى ما يشبه الدمار الشامل، بسبب قلة التنظيم وانعدام المسالك والطرق المعبدة والفوضى العارمة لجيوش “المنقبين” (البوعارة) الذين يعترضون سبيل السائقين ويفرضون عليهم التوقف في أماكن معينة قصد إخضاع الحمولات إلى “التفتيش”.
وبسبب غياب الأمن، يعيش السائقون والمساعدون ساعات من الجحيم، إذ لا يتنفسون الصعداء إلا بعد مغادرتهم المكان، وفي هذا الوقت تكون الشاحنات (أغلبها جديدة دخلت حيز العمل في 2014)، تعرضت إلى تخريب كبير، كما تتأثر إطاراتها وهياكلها وحالتها الميكانيكية بسبب رداءة المسالك وانعدام علامات التشوير وكثرة المنعرجات وغياب الإنارة العمومية في الساعات الأخيرة من المساء، وكثرة المطبات والبرك المائية، خصوصا خلال موسم الأمطار.
وفوجئت الشركات بهذا الوضع الكارثي الذي يكلفها ملايين الدراهم سنويا لإصلاح وصيانة الشاحنات والآليات، علما أن دفتر التحملات الموقع في 2014 ضم بين دفتيه ما يفهم منه أن المتعاقدين لن يجدوا أي مشكل في المطرح العمومي الذي قدم إليهم باعتباره مرفقا تتوفر فيه جميع الشروط والمعايير وعلى هذا الأساس بينت الدراسات والتوقعات.
أكثر من ذلك، تدفع بعض الشركات ضريبة صراعات بين المسؤولين السابقين والحاليين عن القطاع، إذ مازالت عقلية الانتقام وتصفية الحسابات ترخي بظلالها على تدبير قطاع يوشك على السقوط، إذا لم يتحرك مجلس المدينة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه.

أتربة تبيض ذهبا

التراب في مطرح مديونة يبيض ذهبا، وإذا لم تصدقوا يمكن أن تسألوا قضاة المجلس الجهوي للحسابات الذين تأكدوا أن الشركة المفوض لها لا تستثمر في شراء الأتربة المتوفرة على معايير لتكسية الأزبال بعد طمرها، وهي العملية التي وفرت عليها منذ 2008 مبلغ 2.4 مليون درهم سنويا، أي 240 مليون درهم (24 مليار سنتيم) في عشر سنوات.
لكن ما هي الحيلة التي تلجأ إليها الشركة لتكسية الأزبال مجانا؟
الجواب عن السؤال “معلق” على واجهات 10 شاحنات من الحجم الكبير كانت تلج، منذ سنوات، المطرح العمومي محملة بأطنان من الأتربة التي كانت تُفوتر على ميزانية الجماعة باعتبارها أزبالا تحسب في “الطوناج” العام.
معنى ذلك، أن إحدى الشركات، بتواطؤ مع مسؤولين في الشركة والجماعة، كانت تكتري شاحنات وتضع عليها علامتها التجارية وتلج إلى المطرح محملة بالأتربة التي تشحن من بعض الأراضي والحفر، وهي الأتربة نفسها التي تستعملها الشركة في تكسية الأزبال، مع فارق أنها تستفيد منها مجانا!!
واستمرت هذه العملية لعدة سنوات، إذ تحسب قيمة الأتربة التي تدخل بهذه الطريقة إلى المطرح في “الطوناج” العام للأزبال المؤدى عنه من قبل مجلس المدينة، وهو “الطوناج” الذي قفز بإجمالي أزبال البيضاء من 4 آلاف طن يوميا، إلى 6 آلاف طن، بمعنى أن المدينة كانت تدفع مقابل ألفي طن يوميا على أزبال “وهمية”.
وانفجرت هذه الفضيحة حين اكتشف المجلس أنه وقع على شيك بـ11 مليارا لفائدة شركات، لكن بعد التمحيص تبين أنها مجرد “سرقة” في واضحة النهار، بل تطور المشكل لفسخ العقد مع شركة “سيطا” وإصدار قرار بإنشاء شركة خاصة تتكلف بنقل ما يسمى النفايات الهامدة التي تدخل ضمنها الأتربة ومخلفات أوراش البناء.
أكثر من ذلك، وجدت الجماعة نفسها في وضع حرج، حين بدأت تطالبها شركة “إيكوميد” بأداء قيمة الأطنان من الأزبال (بما فيها الأتربة) التي تدخل المطرح، وحجتها في ذلك أن المجلس مادام يؤدي شحنات الأتربة باعتبارها أزبالا منزلية، فعليه أن يؤدي قيمتها أيضا عند رميها في المطرح.
في هذه اللحظة، أحس المشرفون على قطاع النظافة أنهم في ورطة كبيرة، ممثلة في الفارق الكبير بين كميات “الأزبال” المؤدى عنها للشركات، وبين الكميات الحقيقية التي تدخل المطرح. وحسب مصادر “الصباح”، فإن هذه الورطة التي لها ارتباط بتبذير المال العام لا تمثل سوى الشجرة التي تخفي غابة الفضائح بالمطرح العمومي وقطاع النظافة ككل.