الخميس 28 مارس 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13

شارع «محمد زفزاف» نسخة مصغرة لـ«كازابلانكا»

تابعونا على الفايسبوك

بالصور: «سوق السنغال» عنوان واحد لكل أفارقة كازابلانكا

كازا 24 الأربعاء 9 غشت 2017

على بعد أمتار قليلة من باب مراكش وسط مدينة الدار البيضاء، يصادفك «سوق السنغال» أو سوق الأفارقة، هذا الفضاء أخد إسمه هذا تماشيا مع زبنائه وتجاره من أفارقة جنوب الصحراء الذين وجدوا فيه ضالتهم، لوفرة المعروضات المستوردة خصيصا من الدول الإفريقية التي يتواجد أفراد جاليتها بمدينة الدار البيضاء.

سوق السنغال» بالدار البيضاء

وما أن تطأ قدماك هذا الفضاء حتى تحس بنفسك وكأنك وسط افريقيا، فيتقدم إليك شباب أفارقة من مختلف الجنسيات بابتسامات وترحيب باللغة الفرنسية وحتى باللهجة والدارجة المغربية، كل واحد منهم يمدح لك سلعته ومزاياها بطريقة خاصة لجذبك إلى محلاتهم على أمل تتبضع من سلعهم المعروضة في أروقه هذا الفضاء.

خياط إفريقي بسوق السنغال بالدار البيضاء

جولة صغيرة بـ«سوق السنغال» ترحل بك بعيدا داخل أدغال القارة السمراء، بمحتوى يفوق التصور، فانطلاقا من متاجر تعرض منتوجات إفريقية محلية، إلى مطاعم تعرض أكلات إفريقية، إلى صالونات للحلاقة على طريقة الأفارقة، فبه يوجد الغينيون والإيفواريون والسنغاليون،

سوق السنغال بالدار البيضاء

حقا إنها جلبة صغيرة ولكن حركيتها دؤوبة.. بشرات سمراء ولغات لم يعتد عليها المغاربة في العقود التي خلت.. نداء ات وضحكات تتعالى داخل أزقة صغيرة، ودكاكين أصغر متراصة بشكل منتظم إلى جنب بعضها.

سوق السنغال بالدار البيضاء

تجار أفارقة ينتمون إلى دول جنوب الصحراء، وجدوا في هذا السوق محطة ازدهار وليس قنطرة عبور إلى الفردوس الأوربي كما تعتقد غالبية القادمين منهم إلى المغرب، ومن هنا اكتسب السوق تسميته، فالأفارقة السمر كلهم «ساليغان» أو سنغاليون بالنسبة إلى المغاربة.

صالون حلاقة للنساء على الطريقة الإفريقية بسوق السنغال بالدار البيضاء

«سايدو كاي»، شاب ثلاثيني يتحدر من دولة السنغال، قدم إلى المغرب منذ سنوات يعمل تاجرا داخل هذا السوق، دخل إلى دكانه الذي لا يتجاوز المترين، واشرأب بعنقه إلى السلع المعلقة على الجدران، مشيرا إليها بيده، ليقول إن كل السلع التي يبيعها هنا إما من السنغال أو كوت ديفوار أو غينيا. وأضاف كاي، أن زبائنه متعددون.. منهم المتحدرون من أفريقيا جنوب الصحراء ومنهم المغاربة كذلك.

سلع افريقية داخل سوق السنغال بالدار البيضاء

وقال الشاب السنغالي «أبيع عسل الغابة المستورد من السنغال، والزيت المستخرج من ثمر شجر الدوم، والعديد من المراهم، بالإضافة إلى التوابل ومنسمات (منكهات) الطعام، والأرز وبعض العيدان الخاصة بتنظيف الأسنان وغيرها».

مأكولات إفرقية (سمك مجفف)

غير بعيد عن دكان كاي، يوجد دكان «باري أسيني»، وهو شاب عشريني يتحدر من دولة غينيا، سلعه لا تختلف كثيرا عن سلع زميله السينغالي.

صالون للحلاقة داخل سوق السنغال

وضع أسيني أمام محله أسماك مجففة، ونوعا من الخضر المستقدم من غينيا، وصندوقا من الموز الأفريقي.

وقال أسيني إن «هذا النشاط التجاري يغنيني عن العمل في المصانع أو ما شابه»، مضيفا بلغة عربية مغلفة بنبرة أفريقية: «هذا المكان يسمح لي بالتواصل مع أبناء بلدي، كما أنه يجعلني لا أشعر بالغربة».

سوق السنغال

في السياق ذاته، قال باري إن هذا السوق يشكل قبلة لكل المتحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء القاطنين في مدينة الدار البيضاء.

«أمينة نداي» شابة من السنغال تعمل في أحد محلات الحلويات بالمدينة، قالت إنها تزور هذا السوق مرة في الأسبوع على الأقل.

وأضافت ضاحكة: «أحس أنني في بلدي هنا. وكلما شدني الحنين إلى المواد الغذائية السنغالية أتيت إلى عين المكان».

هذه السلع الأفريقية المعروضة في دكاكين «سوق السنغال»، لا يتكبد أصحابها عناء استقدامها من جنوب الصحراء، حيث إن هناك تجار آخرون متخصصون في جلبها على متن سياراتهم وبيعها هنا للتجار بالتقسيط، بحسب باري.

على بعد أمتار من محل باري، يوجد محل شابة من كوت ديفوار تدعى «ماتي تيو»، وماتي لا تبيع السلع الأفريقية كباقي زملائها، بل إنها جعلت من دكانها مطعما صغيرا يقصده العديد من المتحدرين من دول أفريقيا جنوب الصحراء.

ماتي التي سبق لها أن عملت في أحد البيوت المغربية تقول إن عملها هنا أقل تعبا من العمل كخادمة في البيوت.

أما جارتها السنغالية «أمينة توري»، فإنها تمتلك محلا تجاريا متخصصا في بيع اللباس الأفريقي الخاص بالنساء والشعر المستعار.

وتقول أمينة إن جل زبوناتها من أفريقيات جنوب الصحراء، أما المغربيات فنادرا ما يقصدنها.

وبدوره قال «مصطفى كاي» الخياط المتخصص في الأزياء الأفريقية، إنه لا يخيط إلا للقادمين من جنوب الصحراء.

«سوق السنغال» أصبح منجم ذهب لدى المهاجرين الأفارقة الذين أحسنوا استغلاله، بحيث يقول كمارا، الشاب المالي الذي يعمل بائعا لدى السنغالي مكتري المحل السنغالي، بلهجة مغربية دارجة مضحكة، «البيع والشرا مزيان الحمد لله»، في جوابه حول الرواج في السوق، الذي أصبح قبلة الجالية الإفريقية الموجودة في العاصمة الاقتصادية، إذ تعرض هذه المحلات مجموعة من الملابس والحلي، والمأكولات الإفريقية الشعبية مثل «السمك المقدد»، ناهيك عن خدمات الحلاقة والتجميل.

وفكرة هذا السوق في الأساس كانت معدة كسوق نموذجي يجمع «فرّاشة» المدينة القديمة، الذين زاحموا التجار الأصليين أصحاب المحلات التجارية، والذين ضاقوا ذرعا من احتلالهم لجل الأرصفة المجاورة لمحلاتهم، فاتخد مجلس المدينة قرار بخلق فضاء يحوي هولا الباعة المتجولون.

وسعيا من مجلس المدينة إلى حل مشكل «الفرّاشة» وتعاظم عدد الباعة المتجولين في المكان، وما نتج عنه من إضرار بمصالح التجار من أرباب المحلات، عبر بناء سوق نموذجي يجمعهم ويؤطر تجارتهم، إلا أن هذا الحل «النموذجي» أثبت فشله بعد فترة بسيطة، إذ دخل «التجار» المستفيدون هذا السوق وغادروه بعد فترة وجيزة، بعد عجزهم عن إدارة تجارة منظمة والترويج لسلعهم بطريقة مناسبة، الأمر الذي فتح المجال أمام بدلاء جدد، بطبيعة الحال ليسوا مغاربة، تجار أفارقة ينتمون إلى دول جنوب الصحراء، وجدوا في هذا السوق محطة ازدهار وليس قنطرة عبور إلى الفردوس الأوربي، كما تعتقد غالبية القادمين منهم إلى المغرب. ومن هنا اكتسب السوق تسميته، فالأفارقة السمر كلهم «ساليغان» أو سنغاليون بالنسبة إلى المغاربة. في البيضاء والكل في البيضاء، يعرف أن حاضر السوق ملتقى للجالية الإفريقية في المغرب وفضاؤهم المفضل للتسوق، وماضيه يشير إلى كارثة تدبيرية لظاهرة يتداخل فيها السياسي والاقتصادي والاجتماعي، حين عهد إلى شركة خاصة بمشروع تحويل مرآب إلى سوق نموذجي موجه لفائدة 192 مستفيدا، استوفوا الشروط المحددة من قبل السلطات نظير مقابل مادي في حدود خمسة آلاف و500 درهم للمستفيد عن تشييده وتجهيز المحل التجاري، لكن عدد المحلات التجارية فاق الحاجة ليغطي الربح التجاري، إذ تم بناء 28 محلا إضافيا.  

بداية القصة يرويها، أحمد، أحد التجار القلائل الذين ما زالوا متمسكين بمحلاتهم في «سوق السنغال»، بنبرة غضب وسخط، «الباعة المغاربة لم يستطيعوا التأقلم مع محل ثابت، بحكم تغيير نوعية بضاعتهم ومكان تسويقها كل يوم». هذا التصريح يظهر غياب التأطير من قبل السلطات المشرفة على المشروع، ومواكبة الباعة المتجولين خلال مرحلة توطينهم بالسوق، وكذا عدم مراعاة خصوصية تجارة «الفراشة»، الأمر الذي أدى في النهاية إلى هجرة شبه جماعية لمحلات السوق من قبل الباعة المتجولين، الذين فضلوا كراءها مقابل مبلغ مالي يتراوح بين ألفين و500 درهم أو ثلاثة آلاف شهريا، أو بيعها في أحسن الأحوال بعد ذلك لقاء مقابل مادي وصل حتى 250 ألف درهم. السوق الذي لم يستطع «التجار» المغاربة التأقلم معه، أصبح منجم ذهب لدى المهاجرين الأفارقة الذين أحسنوا استغلاله.