الخميس 28 مارس 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13

معاناة الزيانية زوجة مؤسس الوداد ومدرب الرجاء من ضرة اسمها الكرة

تابعونا على الفايسبوك

تيط مليل.. المأوى الأخير لمواطنين لفظتهم طاحونة بحجم الدار البيضاء

عن /المساء الجمعة 11 غشت 2017

يحمل أهل الدار البيضاء فكرة سيئة عن المركز الإجتماعي تيط مليل، وكل الذين جربوه في وقت سابق يقولون إنه الجحيم بعينه، حيث كان يكدس المتسولون مع المشردين إلى جانب الأطفال والمسنين في معتقل كبير لا يوفر أدنى شروط الكرامة الإنسانية.

الآن تغير الوضع كثيرا وتوسع المركز وشيدت بنايات جديدة لإيواء النزلاء، حتى إن الزائر يعتقد لأول وهلة أنه أخطأ المكان، وأنه متواجد في مركز آخر لا علاقة له بما وصل إلى مسامعه من أخبار.
إذا كنت ذاهبا إلى المركز الاجتماعي تيط مليل وأنت تحمل فكرة مسبقة عنه فإنك حتما ستفاجأ وستظن أنك أخطأت العنوان، وأن هذا المكان الذي تتواجد فيه الآن ليس هو.
الناس في الدار البيضاء يتحدثون عن هذا المركز ويصفونه باعتباره مكانا يرمى فيه المتسولون والمشردون والمختلون والأطفال الذين بلا مأوى، حيث يتم تكديسهم هناك دون أدنى عناية، في ما يشبه معتقلا كبيرا من القرون الوسطى أو أحد معسكرات النظام النازي.
لكنك وبمجرد الدخول تكتشف عكس هذه الصورة، وتجد مكانا نظيفا يشبه الإقامات الصيفية ذات المواصفات الجيدة، وكما قال مدير المركز، الذي لا ينفي ذلك الماضي الأسود، فإن المركز الاجتماعي تيط مليل عرف تغيرا شاملا، قطع بالكامل مع ما كان في السابق.
وبالفعل فالمركز يشغل مساحة واسعة تضم بنايات كثيرة عبارة عن أجنحة يقيم فيها النزلاء وتحف بها حديقة جميلة ومعتنى بها، إضافة إلى أشجار تتساقط أوراقها على الأرض، كل هذا يجعل الزائر يغير مواقفه السابقة ويعيد النظر في الأشياء التي سمعها من الأصدقاء والذين قادهم حظهم العاثر في سنوات مضت إلى قضاء أيام فيه.
هناك مسألة أخرى جعلت المركز يستعد ويأخذ أحلى حلة وتمثلت في التواجد المكثف لوسائل الإعلام في هذه الفترة، إلا أن نقطة واحدة لم يتمكن كل العاملين في المركز من إيجاد حل لها، وتتعلق بالرائحة النتنة والتي لحسن الحظ لا تظهر في الصور التي تلتقطها كاميرا التلفزيون، بينما تقع أنوف زائري المركز ضحية لها.
إحدى المسؤولات عن جناح خاص بالنساء تفتقت موهبتها عن حل عبقري، فقد لجأت ولإخفاء رائحة البول إلى تقنية إشعال العود وبعض الأبخرة الأخرى، لتحصل على رائحة غريبة يمتزج فيها ضوع العطر وعطن الروائح الكريهة.
يقول أحد العاملين في المركز الاجتماعي تيط مليل إنه لا يمكن القضاء على هذه الروائح مهما بذلوا من جهد، فالمسنون والمقعدون يقضون حاجاتهم الطبيعية معظم الأحيان في غرفهم أو فوق أسرتهم، ورغم كل المجهودات المبذولة يظل هذا المشكل فارضا نفسه بقوة.
هذا التبرير يتوفر على نصيب وافر من الصحة إذا ما تمت المقارنة بين جناح وآخر، فالأجنحة التي يوجد فيها أكبر قدر من الشباب القادرين على الحركة والذهاب إلى المرحاض تتميز بنظافة بارزة ونظام واضح، أما تلك التي تغلب فيها نسبة المرضى النفسيين والمسنين فلا يمكن لأي منظف أن يعطر الجو ولو تم اللجوء إلى استعمال العود القماري.
ريح عاتية تطوق المركز
في الطريق إلى بلدة تيط مليل التابعة لعمالة إقليم مديونة بضواحي البيضاء كانت تنتشر قطعان أغنام ترعى في الحقول المجاورة للطريق الضيقة، وبالقرب من حاجز للشرطة عند مخرج الدارالبيضاء عبر طريق «السبيت»، كان رجل أمن يمعن النظر في ورقة بيضاء ويتفحص «أسراب» سيارات تسير ببطء وهي تمر أمامه، خارج نافذة السيارة تسمع زمجرة رياح، وعلى الجهة الأخرى للطريق تتمايل أغصان أشجار الأوكاليبتوس. اللافت أن الريح كانت ترسم تموجات تظهرها حقول سنابل الحبوب المخضرة، أحواض فول يكللها لون أرجواني يسبق الغلة.
بالقرب من مدرسة ابتدائية عبارة عن قسمين دراسيين كانت الأكياس البلاستيكية تتطاير في الهواء، أما الغبار ففقد غلف سماء المدينة المضطرب جويا.
في الطريق إلى المركز وبتأثير الجو المتقلب والرياح القوية لم تستطع خيوط الهاتف الصمود وتدلت من الأعمدة، حيث فعلت الريح فعلتها وأطاحت بالأسلاك من على الأعمدة لتسقط على الأعشاب التي بدأت تفقد لونها الأخضر. انحرفت السيارة يسارا، ثمة دوحة طاعنة في السن اجتثت جذورها وألقيت بإهمال على قارعة الطريق التي تفصل بين مستشفى الأمراض النفسية والمركز الاجتماعي تيط مليل.
أحب اللعب مع زينب
كلما رأى الأولاد المتواجدون في الجناح الخاص بالقاصرين شخصا غريبا تحلقوا حوله مستجدين دراهم لشراء البسكويت والسجائر بالتقسيط، فالمال في المركز الاجتماعي تيط مليل عملة نادرة، حيث يلجأ البعض لتعويض هذا النقص في السيولة إلى تقنية المقايضة.
ينزل في هذا الجناح أولاد معظمهم يعانون من أمراض نفسية أو إعاقات ويعيش معهم آخرون متخلى عنهم، رغم أن المدير أكد أنه من أهم إنجازات المركز الفصل بين النزلاء حسب الجنس والسن والحالة، في قطيعة مع العهد البائد، إلا أنه وبمجرد دخول أي جناح تلاحظ ذلك الخليط بين المقعدين والمسنين والشباب والمتسولين والمرضى النفسيين، وحسب مسؤول عن جناح للمسنين فإنه يتم اللجوء إلى ذلك لمساعدة الكبار في السن والعاجزين عن الحركة بإقحام شباب بينهم يمدون لهم يد العون وينظفون أماكن نومهم.
كان بين القاصرين طفل نحيل لا يتكلم كثيرا، ويبدو من ملامح وجهه البريئة أنه لم يعش أبدا في الشارع ولم يخالط المشردين، وحين كان أصدقاؤه يطلبون درهما كان ينتبذ مكانا قصيا، وينتظر بخجل أن يأتي الوقت المناسب ليتقدم بدوره ويأخذ حصته.
يقول المسؤول المباشر عن هذا الجناح إن هذا الطفل مريض نفسيا ويبسط لائحة العقاقير التي يتناولها كل يوم، ويؤكد أنه في حالة ما إذا توقف عن أخذ الأدوية تنتابه حالة سعار ويمكنه أن يكسر أي شيء يجده أمامه. لا أحد يمكنه أن يصدق ما يقول ذلك المسؤول بالنظر إلى طبع الصغير الهادئ الذي يحلم بشيء واحد في هذه الدنيا هو أن يخرج من المركز الاجتماعي تيط مليل ليذهب عند خالته.
يؤكد المسؤول أن خالته لا تريده وهي التي «قذفت به» هنا وانصرفت دون أن تسأل عنه ولا مرة، أما الصغير فيحني رأسه وينخرط في نوبة بكاء صامتة، كأنه يخجل من نفسه وهو يذرف الدموع، موشوشا أنه يتمنى أن يسكن في بيت خالته.
لكن ما سبب تشبثه الكبير بخالة طردته ولا تريد أن تراه، يقول الولد الصغير: «في بيت خالتي توجد زينب وأنا أحب زينب وأريد أن ألعب معها».
في اللحظة التي نطق فيها اسم زينب لم يعد يتحكم في مشاعره وانخرط من جديد في نوبة بكاء مسموعة ومؤثرة هذه المرة، مؤكدا رفضه اللعب مع أصدقائه في المركز، الذي يتوفر على ملعب لكرة القدم وقاعة مسرح ومنشآت أخرى لتسلية النزلاء، فهو لا يحب كرة القدم ولا اللعب مع أولاد يكبرونه سنا، ويشعر أنه وحده في هذا العالم المغلق، وأن الحياة لا معنى لها هنا دون خالته، خالته التي ستأخذه ليرى أعز مخلوق لديه في هذه الدنيا.
لا تصدق المرضى النفسيين
غريب أمر المسؤولين عن أجنحة المركز الاجتماعي تيط مليل، معظمهم لا تكوين لديهم ويقتصر دورهم على الحراسة ومراقبة النزلاء، رغم مجموعة شعارات يرفعها القائمون على المؤسسة والتي تؤكد أن الحال تغير منذ 2005 مع قدوم المدير الجديد الذي يفتخر بكونه يختلف جذريا عن سابقه في هذا المنصب، ففي جولة على عدد من الأجنحة اتضح بالملموس أنه لا وجود لمساعدين اجتماعيين ولا أشخاص لهم تكوين في الجوانب النفسية، ومع أن المدير عبد الكريم الصبار يحاول إضفاء صورة أخرى على المركز إلا أنه يبدو أن عوائق كثيرة تحول دون ذلك، منها أن الجهات الوصية مازالت تخلط بين البعد الاجتماعي للمركز الذي يسعى إلى تقديم المساعدة للمهمشين والمرضى النفسيين والمتسولين والمقاربة الأمنية التي لم تتخلص تماما من نظرتها للنزلاء باعتبارهم يوجدون في مكان لا يختلف كثيرا عن السجن.
لا ينفي المدير أن المركز كان في وقت سابق لا يميز بين الاعتقال والإيواء، إلا أنه الآن يسعى إلى وضع قواعد جديدة تسمح للنزلاء بالخروج متى أرادوا والذهاب للتسوق أو زيارة عائلاتهم.
يملك المسؤول عن جناح المرضى النفسيين حقيقة لا يخالطها الشك، ويقول إن العلاج الوحيد للأشخاص الذين يعانون من إعاقة ذهنية هو الضرب المبرح والتكبيل والأدوية، جازما أنه لا يوجد حل آخر للحد من انفعالاتهم ومن الشغب الذي يحدثونه كلما اشتدت حالتهم النفسية، ولا يعرف أحد أين درس هذا العلم ومن أي جامعة تخرج.
وحين صرح مجموعة من النزلاء القاصرين أنهم جربوا أكثر من مرة محاولات الفرار عن طريق القفز من السور العالي، وأن بعضهم تمكن من الهروب والخروج من المركز، نفى ذلك المسؤول الأمر جملة وتفصيلا، منبها إلى أنه لا يجب تصديق المرضى بدعوى أنهم لا يملكون عقولا يميزون بها وأنهم يختلقون حكايات خيالية لا أساس لها من الصحة، وناصحا بتوجيه السؤال إلى «الأسوياء».
غالبا ما يتم اختيار العاملين في المركز من بين النزلاء الذين اكتسبوا بحكم التجربة والأقدمية وحسن السيرة والسلوك سمعة جيدة لدى الإدارة، فيتم توظيفهم لهذا السبب كمسؤولين عن الأجنحة يسهرون على النظافة وراحة النزلاء، وفي حالات أخرى يتم الاستعانة بخدمات موظفين في المقاطعات يوجدون في أدنى السلالم لا علاقة لهم أبدا بالعمل في مثل هذه المراكز، ويأتون بهم نظرا لأجورهم المتدنية، عوض الاستعانة بخدمات مختصين في المساعدة الاجتماعية يتلقون تكوينا في هذا المجال ويعانون من البطالة.
نساء يمدحن المركز
على عكس الأولاد الذين يحلمون بالقفز من على أسوار المركز ليلا وفي غفلة من الحراس، تجمع النساء المسنات على تشبثهن بالمركز الذي يفضلنه على العيش في الشارع ويعددن أفضاله عليهن، لأنه حسب أقوال أكثر من واحدة يمنحهن سريرا للنوم ووجبات أكل منتظمة ورعاية صحية لم يكن يحلمن بها، كما أنه انتشلهن من قسوة الشارع ومن التسكع ومد اليد للآخرين.
تؤكد امرأة تعاني من شلل نصفي أن للمركز فضلا كبيرا عليها وأنها عاشت في»الزنقة» لمدة عامين، أما الآن فهي تشعر بالراحة ولا تضطر إلى التسول، لكن المشكلة الوحيدة التي مازالت تعاني منها فتتمثل في إدمانها على التدخين، حيث تجلس دائما في انتظار ابن لها، تجمع كل النساء اللواتي يسكن معها أنه ولد جميل ويشع منه النور، ليأتيها بعلب سجائر كازا وماركيز.
باستثناء ندرة السجائر في المركز، فإن هذه المرأة التي يحبها الجميع هنا بسبب روحها المرحة والنكات التي تطلقها بين الفينة والأخرى، تعيش مطمئنة البال ومرتاحة، وتخاف أن يأتي يوم يقومون فيه بتغيير المدير الحالي بآخر، وتقول بنبرة انفعالية على مسمع من المسؤولين: «إلا بدلو لينا المدير غادي نديرو الإضراب».
في الأسرة الأخرى كانت تستلقي نساء مسنات يستمعن لصديقتهن الثرثارة ويضحكن في عبهن، لأنهن على معرفة مسبقة بقدرتها على الحديث وعلى نيل الإعجاب، فتتوجه إليهن مؤكدة أن بعضهن يثرن أعصابها ويتسببن لها في أزمات نفسية نظرا لمعاناتها من مشكل خطير هو «عرقها المبوشي».
في سرير يوجد في ركن الغرفة المكونة من ستة أسرة تحتج امرأة على استحواذ صديقتها على الكلام وأن من حقها هي الأخرى أن تتحدث وأنها تملك بدورها قصة تستحق أن تحكى وأن يستمع إليها الجميع بانتباه.
تقول إنها تعرضت لحريق دخلت على إثره إلى المستشفى وبعد أن أمضت أياما هناك تلقت فيها العلاج الضروري خرجت وتوجهت إلى بيتها لتجد زوجها قد ارتبط بامرأة أخرى، واضطرت إلى البحث عن مكان آخر تستقر فيه ولم تجد إلا الشارع، قبل أن تكتري غرفة في حي ليساسفة وتستقر فيها لمدة عشرين سنة وتمتهن التسول إلى أن أحضروها إلى المركز الاجتماعي تيط مليل.
صديقة أخرى لهما تتوفر على حكاية من نوع آخر بطلها رجل شرطة، إلا أن القصة لا تتضمن حبكة كلاسيكية ولا ترابطا بين الأحداث وتقترب من حيث الشكل من الرواية التجريبية، فهي كانت تسكن مع الشرطي وأصهاره في بيت واحد، وفي يوم من الأيام أراد الشرطي أن يتخلص منها فأحضر دورية أمن قادتها إلى تيط مليل، لكن هذه المرأة لا تحسم في مسألة ما إذا كان الشرطي زوجا أو قريبا لها، المهم أنها تتهمه بأنه هو من طردها ليتخلص منها.
في تلك الأثناء وحين كانت كل امرأة تحاول أن تروي قصتها من البداية والظروف التي أتت بها إلى المركز، دخلت مجموعة من النساء كن يعملن خارج المركز ويتلقين تكوينا مهنيا، حيث سلمن على الجميع وتفرقن على الغرف الموجودة في الجناح.
رحلة الصيف والشتاء
يجد مسؤولو المركز في فصل الشتاء صعوبة في إيواء العدد الكبير من النزلاء الراغبين في الحصول على مكان لهم، والذين يلجؤون بكثرة إلى تيط مليل بحثا عن الدفء المفقود في الخارج، لأن المركز يضمن لهم سريرا وأكلا منتظما، قد لا يتوفرون عليه إلا بمشقة وهم يتسولون أو يتسكعون في مدينة الدار البيضاء.
وبمجرد ظهور بوادر الصيف الأولى يشرعون في المطالبة بالمغادرة لممارسة أنشطتهم السابقة في التسول وأشياء أخرى، حيث يكثر العمل في الشواطىء المزدحمة ويزداد عدد المصطافين والزوار الكرماء.
غالبا ما تأتي دوريات المساعدة الاجتماعية بشحاذين إلى المركز ومعهم أموال كثيرة يخبئونها في ملابسهم الداخلية، كتلك المرأة التي تحمل معها ابنتها الصغيرة والتي وجدوا بحوزتها مبلغا يفوق المليونين جمعته كما يبدو من التسول، رغم أنها تنفي ذلك.
تقول إن الأموال التي معها «ديال راجلي»، زوجها الذي يمنحها كل شهر 1000 درهم كما تدعي وتقتصد منها النصف تقريبا على أمل شراء منزل.
تنطلق كل يوم من دوار يسمى الضرابنة التابع لعمالة الحي الحسني على الساعة الثامنة صباحا، والذي يقطنه عدد كبير من المتسولين والمعروف في الدار البيضاء بتصديره لأصحاب هذه المهنة، قاصدة سيدي معروف، حيث تقطع مشيا على الأقدام طريقا طويلة وتستمر مسيرتها لثلاث ساعات قبل أن تصل، وفي مشوارها هذا تستجدي الناس وتمد يدها طلبا للصدقة، ثم تعود أدراجها في الثانية عشرة لأخذ ابنتها من المدرسة.
لم تفكر يوما في إيداع ثروتها في البنك، وبدل ذلك تحملها معها أينما ذهبت وتستحم بها في الحمام، إلا أن ما يفزعها أكثر ليس سرقة الأموال التي معها وإنما إمكانية تعرضها لاعتداء من عائلة مشهورة في سيدي معروف كل أفرادها يزاولون مهنة التسول ويحتكرون ممارستها ويمنعون أي دخيل من منافستهم، إذ سبق أن طردوها من مملكتهم واضطرت إلى البحث عن مكان آخر لا توجد فيه منافسة شديدة بين المتسولين.
الكولونيل سبب وجودي هنا
بالرغم من حالة العوز الظاهرة على محيى النزلاء فإن العاملين بالمؤسسة يؤكدون أنهم يعملون جاهدين لخدمة النزلاء الموزعين على أجنحة تغلق أبوابها الحديدية ب»رتاجات» حديدية وأقفال.
شهد المركز 32 حالة وفاة سنة 2007، حسب الإدارة فإن المتسولين المتوفين كانوا في مرحلة متقدمة من العمر.
محمد الفقير، رجل كان يحمل سبحة ويجلس فوق كرسي بلاستيكي بجناح الكبار، قال إنه مزداد سنة 1947 بحي بوطويل داخل أسوار المدينة القديمة بالدار البيضاء، مضيفا أن أفراد دورية المساعدة الاجتماعية قد اعتقلوه بالخطأ، مشيرا إلى أنه كان متوجها إلى حي درب عمر لملاقاة أحد معارفه لكنهم اعتقلوه.
أعرب هذا الشيخ المزداد سنة 1942 بالدارالبيضاء عن أمله في الخروج من هنا والعودة إلى مدينة الدارالبيضاء، قال ذلك وطلب سيجارة طفق يدخنها بشراهة، وسرعان ما التحق به متسولون كثر يطلبون السجائر بدورهم.
في مكان آخر كان شاب في الثلاثينات من عمره، يجلس إلى سرير خلفه يضع نسخة من القرآن الكريم علقت وراءها صورة للملك محمد السادس.
قال هذا الشاب الذي يحمل وجهه ندوبا غائرة إنه ازداد بدرب السلطان، مضيفا أن والده تخلى عن أسرته وغادر نحو مدينة أكادير ليكون الشارع نصيب إخوته، أما والدته فكانت تحترف التسول لتتمكن من إطعامهم.
«لقد نمت في الحدائق العمومية وتحت القناطر، جبت أزقة المدينة وتناولت كل أنواع المخدرات ودخلت السجن كذلك، الحمد لله أنا مستقر هنا وأطلب العفو من الله». قالها هذا الشاب متحسرا على زمن طيش ولى.
بجناح النساء توجد 62 امرأة، بعض النساء رحلن من المركز القديم المسمى»العنق» وهن نزيلات بمركز الخير لتيط مليل منذ افتتاحه.
فاطمة الملاح البالغة من العمر 62 سنة قالت إن أبناءها القاطنين في فرنسا تخلوا عنها ورموها هنا، ترفض فكرة العودة إلى منزل أبنائها وتقول: «ها أولادي هنا، لقد رجوت المدير ألا يخبرهم بوجودي هنا إن تقدم أحد أولادي للإدارة بغرض إخراجي، دعيتهم لله».
حسب عاملة في المركز فإن سيارة ألقت بفاطمة الملاح ذات صباح أمام باب مركز الخير تيط مليل، النزيلة تؤكد أن ابنيها القاطنيين بفرنسا سبق لهما أن بعثا بها إلى المغرب إلى قريبة لها التي أخذتها في سيارتها من حي السيال في الدارالببضاء بعد أن أخبرتها أنها ستأخذها في جولة لمشاهدة المدينة، قبل أن تعمد إلى تخديرها، حيث ستجد نفسها ملقاة في الشارع ذلك الصباح. لتضيف: «كان عندي الطانسيون طالع لعشرين، راسي مضروب ولم أسترد وعيي بالكامل إلا بعد أسبوع من تخديري».
بوشعيب مخليص، الذي فقد نعمة البصر هو دركي سابق، مزداد سنة 1945 يتهم كولونيلا بارزا في الدرك بكونه سبب معاناته، قال إن تفانيه في العمل ورفضه المشاركة في انقلاب الصخيرات ضد الملك الحسن الثاني كان وراء طرده من سلك الدرك.
يؤكد بوشعيب أن دركية برتبة «كومندارة» سبق لها أن زارته بمركز الخير تيط مليل وأنجزت له بحثا اجتماعيا ووعدته بتقديم المساعدة، لكنها لم تعد أبدا إلى المركز وقال «الكومندارة وعدتني بمساعدتي وقالت لي إن الدرك سيساعدني ومازلت أنتظر».
مركز متعدد الاختصاصات
حسب عبد الكريم الصبار، مدير المركز الاجتماعي تيط مليل، فإن المركز الذي يديره هو الوحيد في المغرب الذي يؤوي أشخاصا من الجنسين ومن مختلف الأعمار، ويضم المركز الممتد على مساحة 8 هكتارات 512 نزيلا من جميع الشرائح الاجتماعية.
يمول المركز من طرف مجلس مدينة الدارالبيضاء بنسبة 80 في المائة ثم وزارة التنمية الاجتماعية والتضامن فيما تشرف على تسييره ولاية الدار البيضاء.
حسب إدارة المركز فإن هناك خطة للحد من معاناة النزلاء وإعادة انتشارهم على الأجنحة وبرمجة حصص تكوينية في مهن عديدة ودعم الأنشطة المدرة للدخل، لجعل المتسولين يعتمدون على أنفسهم ويكسبون قوتهم بعرق الجبين..
إلى وقت قريب، كان المركز يضم ثمانية أطفال غير خاضعين لنظام الحالة المدنية و22 طفلا من المصنفين «مرضى نفسيا» إضافة إلى 190 شخصا في وضعية صعبة.
التدابير التي شرعت في تطبيقها إدارة المؤسسة، حسب قول المدير، مكنت من إدماج الكثير من الأطفال النزلاء في محيطهم الطبيعي بإحالتهم على المراكز الخيرية أو حماية الطفولة.
سنة 2006 وفي إطار البرنامج الوطني لمحاربة الهشاشة برمجت صفقة لتجهيز الأجنحة الجديدة بلغت الاعتمادات المالية المخصصة لها 499.200,00 درهم، كما جرى أيضا تزليج الممرات والمسالك بالمركز بمبلغ: 380.190,00 درهم. ويؤكد مدير المؤسسة أن إدارة المركز تنظم أيضا «جلسات استماع» للمحالين عليها من لدن دوريات المساعدة الاجتماعية التي تجوب شوارع مدينة الدارالبيضاء، وقد بلغ عددهم 5083 شخصا ضمنهم 219 رجلا مسنا و176 نساء مسنات، إضافة إلى 2145 من الرجال في وضعية صعبة، و415 من النساء مصنفات بدورهن في خانة «وضعية صعبة»
استقبل المركز 36 طفلا قاصرا و745 معاقا إضافة إلى 303 من المرضى نفسيا من الذكور و213 من النساء المريضات نفسيا.
نزلاء المركز يحترفون التسول
اللافت أن غالبية المتسولين من الرجال من النزلاء بالمركز يدخنون بشراهة ولا يكفون عن استجداء السجائر من الزوار وعندما يفشلون في الحصول عليها يطلبون النقود.
إلى وقت قريب كان المركز يؤوي 831 شخصا مصنفين ضمن خانة «المتسولون المحترفون»، 33 % منهم يمارسون التسول باستغلال العاهات أو الإعاقة أو التشوهات الجسدية، بينما يوجد 31 % يمتهنون التسول باستغلال الأطفال القاصرين، تليهم 22 % يقومون بالتسول بشكل عائلي.
بالنسبة إلى أماكن تجمع المتسولين في الدارابيضاء الذين تحيلهم دوريات المراقبة على الإدارة نجد المحطة الطرقية «أولاد زيان» للدار البيضاء وسوق الجملة للخضر والفواكه ثم ميناء المدينة وأمام المساجد ومحطات القطار وأماكن أخرى كالجلوس بالقرب من الصيدليات.
ينحدر المتسولون المتواجدون في مركز تيط مليل من مختلف المدن، هناك نسبة 19% منهم يقطنون في الدار البيضاء بينما 81% من النزلاء يقطنون خارج مدينة الدار البيضاء.
بالنسبة إلى مراحل الاكتظاظ بالمركز فإنها تكون من بداية شهر دجنبر إلى نهاية شهر ماي.
قامت إدارة المركز بمساعدة مجموعة من النزلاء للحصول على وثائق إثبات الهوية بالتسجيل بنظام الحالة المدنية والحصول على البطاقة الوطنية، كما تدخلت لإنجاز عقود الزواج وجوازات السفر. خلال سنة 2007 استقبل مركز تيط مليل العديد من المتسولين المحترفين ممن يحملون معهم نقودا كثيرة، وبالرغم من حالة العوز التي يحاولون إظهارها وهم يستجدون المارة في شوارع مدينة الدارالبيضاء مستعينين بملابس رثة فإن بعضهم اقتيد إلى مركز الخير وبحوزته نقود كثيرة.