الجمعة 26 أبريل 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13

أشهر قاعات السينما بالدار البيضاء.. ذاكرة طواها النسيان

تابعونا على الفايسبوك

«أولياءالله» في مدينة الدار البيضاء لكل اختصاصه الطبي

كازا 24 الثلاثاء 19 شتنبر 2017

عن هبة بريس

قالوا قديما «إذا تميز الشرق بالأنبياء فإن المغرب عرف بالأولياء».

وحسب الروايات التاريخية فالمغرب بلد المائة ألف ضريح.

وبين هذه الرواية وتلك تختلط الخرافة مع الحقيقة، التي تنقل من جيل إلى جيل، وتحكي عن مقدرات ذاتية لكل ضريح، الذي يمكنه صنع المعجزات في مجال تخصص حدد له أو حددته الخرافة له، لتصبح الأضرحة وبدون استثناء جزء من طقوس التدين لدى الكثيرين ومجالا للتبرك وطلبا للشفاء. فتصبح تلك البركات اختصاصات حيث يتم التوسل لسيدي عبد الرحمان طمعا في الإنجاب وتجاوز حالات العقم، ويتم اللجوء إلى سيدي محمد مول الصبيان من أجل شفاء الأطفال،في حين يعتبر سيدي فاتح قبلة للفقراء وغير المحظوظين في الحياة، فيما ضريحا سيدي مسعود وأحمد بنيشو قبلة للأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية، و يمثل سيدي علال القيرواني وجهة للصيادين طلبا لقضاء حاجياتهم توسلا وتبركا.

 ثلاثون ضريحا ووليا مازالوا يشكلون مزارا للبيضاويين أشهرهم سيدي بليوط، وسيدي عبد الرحمان، وسيدي معروف. هي قبلة للتبرك وطلب الشفاء وتوسل الدعم النفسي والمعنوي.

أماكن وفضاءات، مابرحت تستقبل عددا من المواطنين بعضهم بقصد التداوي من أمراض استعصى على الطب الحديث إيجاد دواء لها، بينما تلوذ الفتيات لأضرحة بعينيها طلبا للعريس الذي طال انتظاره، فتصبح تلك البركات اختصاصات، حيث ينفرد كل واحد من هذه الأضرحة في تقديم وصفة العلاج المناسبة لحالة معينة، وهي الوصفة التي قد لا تكلف صاحبها سوى أداء ثمن رزمة أو بعض الشموع.

أضرحة سيدي بليوط ،سيدي محمد مولى عين السبع ،سيدي معروف، سيدي محمد مول الصبيان، سيدي محمد مرس السلطان، وسيدي فاتح الذي ينتصب بالمدينة العتيقة ،سيدي عثمان ،سيدي مومن وسيدي عبد الرحمان الشاطئ، وسيدي مبارك بوكدرة … وغيرها من الأضرحة التي تتوزع على أحياء وضواحي العاصمة الاقتصادية، فضاءات يحج إليها الزوار من المدينة وخارجها، إن لم يكن طمعا في الشفاء فعلى الأقل من أجل راحة نفسية هي بالنسبة للآخر عند طبيب نفسي.

سيدي بليوط عميد أولياء البيضاء

في مدينة يطغى عليها طابع الأعمال والاقتصاد، مازال سيدي بليوط (ولقبه الأصلي هو أبو الليوث، جمع ليث وهو الأسد)، يشكل قبلة مفضلة لضيوف العاصمة الاقتصادية، يتردد عليه بشكل منتظم وفي مناسبات دينية كثيرة، عدد من البيضاويين والبيضاويات بغية التبرك والتقرب، لولي يعتبر من أولياء المدينة الصالحين.

بكل خشوع وسكينة اقتربت الحاجة خديجة وابنتها، التي تجاوز عمرها الثلاثين سنة، ولجت الضريج الذي تعودت على زيارته كلما أحست بالمشاكل تتراكم عليها، للصلح مع الذات والله من خلال الصلاة والدعاء تقربا وتزلفا، كانت المرأة التي تحرس الضريح، وتسترزق من بيع الشموع في مدخله، تتابع بنظراتها الحاجة وابنتها، وتدعوها بكل عفوية وبساطة «راه سيدي ما يخليكش حتى ينولك المقصود» كلماتها العفوية كانت كافية، لتكشف عن متاعبها ومعاناتها للسيدة وفي نفس الوقت للولي الصالح، فهي تعتقد أن الأولياء يجلبون الحظ، منذ أن كانت ابنتها طفلة وهي تأخذها إلى أضرحة الدار البيضاء للتبرك ثم للتدبر، ففي نهاية كل أسبوع تأتي إلى ضريح سيدي بليوط، حيث تفضي بهواجسها ومخاوفها إلى الولي، الذي لو غابت عن زيارته انتابتها الوساوس والكوابيس، التي تجعلها تهرع على وجه السرعة إلى ضريحه، كي تنعم بالطمأنينة والسكينة!!

خديجة ليست الزائرة الوفية الوحيدة للضريح. التقينا أيضا فاطمة، القادمة من نواحي مراكش. زواجها الذي كان تقليديا لم يكن ناجحا، بل مليئا بالمتاعب والمشاكل، جربت بعدها عددا من الوصفات الشعبية بدء بالشوافات إلى الدجالين، فكانت الأضرحة ملاذها الأخير. عقب كل زيارة للضريح، تحس بالاطمئنان الباطني الذي يساعدها على تدبير حياتها بشكل أكثر هدوء ، لتصبح الزيارة مع مرور الوقت جزءا أساسيا يمنحها الطاقة والقوة …

زيارة لا تقتصر على تلبية طلب معين بل قصد بث الشكاوى والطلبات، التي تتنوع وتتعدد من شخص لآخر، في حين تلجأ الفتيات إلى النخلة التي تخترق قبة الولي فتقوم بطليها بالحناء، كي تتحقق رغباتهن بالزواج، ثم بعد ذلك يشرب الزائر من ماء يوجد داخل إناء طيني كبير متمنيا تحقيق الأغراض والمتمنيات.

مول المجمر

بشاطئ عين الذئاب، الذي يبعد عن مركز المدينة بثلاثة كيلومترات، تنبعث جزيرة صخرية تحتضن أحد أهم مزارات الدار البيضاء،  سيدي عبد الرحمان، جزيرة تسبح في زرقة مياه البحر التي تقطعها على اليابسة عند المد، وحين تهدأ أمواج البحر، يقفز زوارها فوق الصخور المتناثرة للوصول إلى البوابة.

قبة مهملة تجلس داخلها سيدتين الأولى على مشارف باب الضريح، بمجرد ماوطأت قدمانا منفذ الضريح حتى مدت يدها لتأخذ الشموع وهي تسائلنا « واش تشعليهم » فجاء الجواب بنعم، لتطالبنا ب« الفتوح » فتوجهنا نحو الثانية التي جلست على كرسي بلاستيكي، وقد انتصبت أمامها صينية بها بعض الدريهمات وإناء مليئ بالحناء فيما أمسكت «بحقنة مليئة بالحناء لتطلب من كل زائرة وضع يدها فيها وهي تخيرها» واش بماء الزهر » وبعد أخذ نصيبها من «الفتوح» تومئ لنا لنتجه رفقة عدد من النساء صوب الضريح. اقتربت سيدة لم يتجاوز عمرها الثلاثين سنة من مرقد الولي، كانت تخفي عينيها وراء نظارتين سوداوي اللون، ما أن وضعت الشمعة على الضريح حتى بدأت بالصراخ بكلمات غير مفهومة، فتعالت أصوات المرأتين بـ «التسليم.. التسليم»، ليرتفع الصوت، الذي سمع دويه خارجا، فبدأت السيدة تترنح، لتمسك بها والدتها وأختها، كي تساعداها على النهوض، فيما ظلت عيون الحاضرات مشدوهة للمنظر الذي أصابهن بالهلع والخوف ،فغادرن ضريح سيدي عبد الرحمان وهن يتضرعن لله بالشفاء العاجل.

مرت لحظات لتستعيد السيدة وعيها بعد أن مررت حارسة الضريح بعض الشموع على بطنها وهي تدعو الله ب «سيري الله يحل حزامك» فردت عليها بابتسامة محتشمة أضفت جمالا على ثغرها الصغير «إن شاء الله» ثم غادرت الضريح ووالدتها تدعو لها بقرب الفرج، فيما بدأت باقي الزائرات في التهامس بينهن حول ما جرى. في هذه الأثناء، اقتربت من إحداهن وقد أسهبت في الحديث عن سيدي عبد الرحمان «بركتو معروفة وإلا طلبتيه على شي حاجة يقضيها ليك» لتستفسر حول الغاية من مجيئي وكان الرد «أنا أول مرة كنجي هنا». استمر الحوار لدقائق، لتعلن عن غايتها من ارتياد الضريح من أجل التماس بركاته، لتعود أدراجها إلى المنزل مع الخيوط الأولى لحلول الظلام، بعدما ملأت الطمأنينة والأمان قلبها، المثقل بهموم زوج لا يعير اهتماما لها ولأبنائها الثلاثة. من حين لآخر تقدم قربانا للضريح، على شكل دجاجة حمراء اللون أو عتروس أسود كي يبعد عنها الغم والهم.

قرابين حولت المكان إلى مزبلة حيث بقايا العظام ورؤوس الدجاج، الذي يقدم قربانا لـ «صحاب المكان»!! ، وقطع من القماش بألوان مختلفة، وملابس داخلية تختلف مقاساتها باختلاف أعمار من تخلصن منها.

 قراءة الطالع

عدد من الفتيات الأنيقات وسيدات من أعمار مختلفة بل وحتى الرجال ، قطعوا المسافة إلى الضريح على أقدامهم أثناء الجزر ،ليس طلبا للتبرك والراحة والهدوء ،بل للجوء إلى خدمات الفقهاء والعرافين والشوافات، حيث أغلب الزائرات يقبلن على استشارة «الشوافة» والفقهاء أكثر من إقبالهن على الأطباء، لاعتقادهم بأن الفقهاء والشوافات ، يملكون وصفات “سحرية” لعلاج الأمراض التي استعصى على الطب شفاؤها أو قراءة الطالع وكشف ما يخبئه المستقبل.

«آجي بنتي تشوفي سعدك … زواج، عكس ….سحور … خودي شميعات الله يضوي سعدك … » عبارات كانت كافية لاجتذاب ثريا كي تجرب حظها وترفع عنها « العكوس » توجست خيفة بادئ الأمر، لتبدأ في الحديث بمجرد إحساسها بالأمان والسكينة .

منذ حصولها على الإجازة وهي تبحث عن عمل، وبما أنها مازالت في طابور الانتظار، فقد جاءت ل «ضرب لدون» كي يرفع عنها «العكوس» خاصة وأن هذا العمل «شغل العيالات» بعدما أسرت لها «الشوافة» أن سبب معاناتها تعود إلى حقد بنت الجارة لكونها لم تنل الشهادة، اعتقاد جعلها زبونة وفية لإحدى «الشوافات» بسيدي عبدر الرحمان، حيث يتوافد عدد كبير منهن، ليصبح الضريح قبلة تجمع بين السياحة الشعبية وطقوس الشعوذة. وضع يتسم به الآن أكثر من أي وقت مضى، مما غيب مكانته التاريخية في الذاكرة.

الضريح، بغرفه الصغيرة أصبح فضاء لـ «الشوافات » يستقطب الزبناء باسم بركة مول المجمر، فهن يجلسن على طول الممر الرئيسي المؤدي إلى الضريح دون أن يبدين أي حرج في دعوة الزوار إلى الاستفادة من خدماتهن ،فأمام كل غرفة يمتد طبق به مادة الرصاص «اللدون » وسيلتهن لقراءة ملامح مستقبل الزائرات من خلال ثقوب « اللدون » المشكلة بعد صبه منصهرا في ماء بارد،بواسطته يتم إبطال مفعول السحر، فيما تخصصت بيوت لا يتعدى عرضها المترين في بيع « التفوسيخة ، اللدون والشمع» وكل ما يتعلق بممارسة طقوس الشعوذة والدجل ، وهي حرفة إضافية لجلب المزيد من الربح للقائمين على الضريح.

الشجرة التي تلبس خرقا بالية

بالقرب من الحديقة الوحيدة بمنطقة عين السبع، يقبع ضريح الولي «سيدي محمد مولى عين السبع» عند أطرافها المطلة على قارعة طريق الرباط القديمة، حيث دأبت العديد من الأسر على زيارته في نهاية كل أسبوع وعلى مدار أيام العطل المدرسية، يمارس فيها الشبان هواياتهم الرياضية فوق عشبها، وتستريح النساء من عبء البيوت تحت ظل أشجارها ٠

داخل المنحدر الممتد بين بناية ضريح سيدي محمد مولى عين السبع وذلك المنبع المنحصر داخل شبه حفرة صخرية تظللها أغصان شجرة تين هرمة، تتدلى على أغصانها خرق من الثوب الأبيض ملطخة بالحناء، وتنير جزء من ظلمة جذعها المنحني بضعة شموع، حيث تتحلق مجموعة من النسوة حـول امرأة عجوز، دنست لباسها الأبيض بعض الأوساخ، تجلس طيلة النهار في زاوية مظللة بسقيفة من البلاستيك، وحولها تتوزع بعض نقاشات الحناء بمحاذاة سور قصير به مدخل تلج منه معظم الزائرات.

عدد من النساء والفتيات يقصدن هذا الضريح طيلة أيام الأسبوع، عددهن يتضاعف بشكل أكثر أيام الجمعة، السبت حيث يلاحظ توافد نسوة من كل الأعمار عبر مدخل واجهة الضريح الذي يتكون من درج إسمنتي، يؤدي إلى رقعة مبلطة وضيقة يقبع في ركن منها رجل يبيع الشموع وقطع من الثوب الأخضر، وأمام باب الضريح تجلس سيدة متوسطة العمر تسمى ـ لحفيظة ـ حيث تستقبل الزوار وتقدم لهم بعض الإرشادات والطقوس المعمول بها في التمسح بقبر الولي والتبرك به وذلك انطلاقا من اعتقادات سائدة وأعراف راسخة لدى أوساط النساء.

الكثير منهن يأتون للتدبر قرب ضريح مولى عين السبع، يحملون آلاف الطلبات ويتضرعون للولي طلبا للحظ في الحياة. الحاجة فضيلة التي بلغت عقد الستين ودأبت على زيارة الأولياء منذ نعومة أظافرها، أسرت لنا موضحة « أنا كنجي للولي الصالح باش نطلبوا على وليداتي واخى أنا عارفة بأنه حتى هو راه غير بنادم بحالنا ولكنو شريف ».

طلب فضيلة «الاستشارة» من الولي يتغير من زيارة لأخرى. فهي تأتي لتطلب منه «باش ولدي يخدم وبنتي تلقى راجل مزيان يتهلى فيها» فحسب الحاجة كل ضريح وولي له من المعجزات والقصص الخيالية ، مايجعلهww قادرا لوحده على إرضاء زوار الأضرحة خاصة النساء منهن.

 مولى مرس السلطان

يشهد الضريح هو الآخر توافد زوار من مختلف الأعمار والشرائح لـ« طلب العلاج» من بعض الأمراض أو الهواجس النفسية كـ«العكس، التقاف، العين، العنوسة…» فتجد بعض الساهرين على رعاية الضريح ، تارة ينصحون الزائر بتقديم القُربات ومرة أخرى بتقديم «الفتوح» الذي قد ترتفع قيمته حسب نوعية المهمة وكذلك الشريحة الاجتماعية، مولى مرس السلطان من بين الأضرحة في مدينة الدار البيضاء، الذي يعرف إقبالا خاصة في نهاية الأسبوع والأعياد والمناسبات الدينية، تجلس أمام بابه عدد من النسوة يمارسن صنعة النقش على الحناء وبيع الشموع.

طلب ليلى القادمة من الديار الفرنسية، والتي أسرت به وعيناها قد امتلأت بالأمل بألا يهجرها زوجها وأن تنعم بالاستقرار بعد أن عاشت هذه السنة نزاعات متكررة ومسترسلة جعلتها ،تلجأ لأطباء من تخصصات مختلفة دون أن تنعم بالشفاء، لما أخبرتها صديقتها ببركة مولى مرس السلطان ،لم تتردد لحظة في أن تلجأ إلى الولي الصالح لتغترف من بركاته، وتصبح بعد ذلك من المدمنين على زيارة الضريح ،الذي أصبح مكان السلم الآمن لنفسها المعذبة والتي لم تعثر عليه في أي مكان آخر، كلما حلت صيفا بالمغرب إلا وقامت بزيارة مولى مرس السلطان كي تستشف منه القدرة والطاقة على الاستمرار في شق سبيل حياتها.

إذا كانت هذه الأضرحة تعرف إقبالا كثيفا، فإن البعض الآخر يكاد يدخل في خانة النسيان ولا تتم زيارتها إلا في المناسبات في حين يتم الإقبال على أضرحة أخرى في نهاية الأسبوع وخلال الأعياد والمناسبات الدينية،فسيدي عثمان، سيدي مومن وسيدي محمد … مازالت تعيش على إيقاع النسيان.