السبت 18 ماي 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13

سيرج بيرديغو: هكذا تعيش الطائفة اليهودية بالمغرب

تابعونا على الفايسبوك

درب الكباص..الحي الذي سكنه وزراء وصدر أعظم

حسن البصري الاثنين 14 مارس 2016

منذ أن أنشأ السلطان محمد بن عبد الله مدينة الدار البيضاء، راهن في إعمارها على استقطاب قبائل من خارج المدينة، فجلب أشخاصا من قبائل حاحة بضواحي الصويرة لتعزيز الجيش الذي كان يحرس المدينة العتيقة، وفتح أبوابها أمام هجرات من قبائل مديونة وأولاد حدو والهراويين والمجاطية وأولاد مومن ودكالة.

في المدخل الأيسر من باب مراكش، أحد أبرز بوابات المدينة القديمة للدار البيضاء، نبث درب الميلودي الذي سيتحول في ما بعد إلى درب الكباص، سر ارتباطه بالميلودي يعود لقائد يحمل هذا الإسم كان يتولى شؤون مديونة وزناتة وفضالة ويسمى محمد بن محمد الميلودي الذي عايش فترة السلطان الحسن الأول، وسكن دارا فسيحة بالحي.

بعد غارة القوات الفرنسية على الدار البيضاء سنة 1907، أصبح الحي يحمل إسما آخر، وهو درب الكباص، بعد أن سكنته شخصية مخزنية تدعى محمد الجباس، الذي كان يتأبط تعيينا في منصب قائد للدار البيضاء. وتقول بعض الروايات الشفوية أن الجباس كان يعتزم السكن في بيت فسيح مخصص للقواد، لكنه لم يكن شاغرا إذ كان يقطنه الشريف محمد الأمراني نائب السلطان، فاضطر إلى الانتقال إلى الدار الموجودة في الحي الذي حمل اسمه رغم أن مقامه فيه لم يتجاوز الأربع سنوات (من 1908 إلى سنة 1912)، فقد غادره القائد بعد ترقيته إلى منصب وزاري.

عاصر امحمد بن محمد الجباس خمسة ملوك، وكان ضمن البعثة الطلابية التي أرسلها السلطان الحسن الأول لمتابعة دراستها في انجلترا من 1876 إلى 1880، وإثر عودته انخرط في سلك الوظائف المخزنية. وحسب "عبير الزهور" لهاشم المعروفي، فإن الجباس قد "عين للتحقيق في مسالة الحدود الشرقية بين فرنسا والمغرب سنة 1901 و 1902 وتولى في آخر العهدة العزيزية منصب وزير الحربية أو ما كان يعرف بمنصب "العلاف الكبير"، ثم ولاه السلطان عبد الحفيظ نائبا له بطنجة، بعد وفاة محمد بن العربي الطريس وفي بداية عهد السلطان يوسف تولى الصدارة العظمي ثم أعفي منها واستقر بالجديدة إلى أن سافر لأداء فريضة الحج فتوفي سنة 1934 برابغ وحمل جثمانه إلى المدينة المنورة ليدفن بالبقيع قرب ضريح حليمة السعدية غير بعيد عن قبر سيدنا عثمان بن عفان".

حين انتقل الوزير المقال إلى مدينة الجديدة بحثا عن مغادرة طوعية للعمل السياسي، استقر في حي لا يبعد كثيرا عن درب بوشريط، ومع مرور الأيام تحولت المنطقة التي يقطنها إلى حي قائم الذات يحمل إسم درب الكباص، وكأن الرجل يحمل في كل أسفاره ذاكرة الأمكنة.

كان الرجل فقيها ورعا ورجل دولة، كما جمع بين العلوم الهندسية المعمارية والفقهية بالرغم من التباين الحاصل بينهما. تولى منصب وزير الحربية ومندوبا سلطانيا لمولاي عبد الحفيظ بمدينة طنجة. كما ساهم في تربية حفيده عبد الكريم الخطيب الذي تولى مناصب وزارية وسياسية عديدة.

يقول لحسن العسبي، الباحث في تاريخ المغرب، في نبشه لسيرة الصدر الأعظم فضول غرنيط، بأن محمد الكباص تعلم أصول الوجاهة المخزنية من فضول، حين كان مساعدا له، وأضاف بأن عائلة الكباص تنحدر من أصول زرهونية وتحديدا من جبل زرهون.   

"هي عائلة فقيرة، لقد كان والده يعمل في الجبس فاكتسبت العائلة لقبها من هذه المهنة، قبل أن تصبح واحدة من أهم العائلات التي ارتبطت بدار المخزن في المغرب، منذ عهد السلطان مولاى الحسن الأول. ومحمد الكباص سيرتقي في سلم المسؤولية بالدولة المغربية، باجتهاد شخصي منه وذكاء واضح، وهو جد كل من الدكتور عبد الكريم الخطيب والجنرال حسني بنسليمان من جهة أمه وكذا إسماعيل العلوي، الأمين العام السابق لحزب التقدم والإشتراكية".

وتتحدث الكثير من الروايات التاريخية الشفوية والمكتوبة، عن الخدمات التي أسداها للدولة السلطانية، إذ عرف بدفاعه المستميت عن الرعايا المغاربة، وكان يرفض فكرة الحماية التي كانت تلف العديد من المغاربة من طرف القناصل الأجانب. كما تؤكد مجموعة من الكتابات حرصه على زيارة الحي الذي نشأ فيه حين كان قائدا للمدينة، حيث لا يتخلف عن مساعدة جيرانه القدامى لاسيما الذين يعانون من ضيق وعوز.

الآن، لم يبق من درب الكباص إلا حكايات يرويها من تبقى من بيضاويين، بينما اقتحمت الحي كائنات أخرى  أجهزت على نسائم التاريخ التي كانت تهب من باب دلاب الكباص، فاستبدلت رموزه بتجار الممنوعات الذين يسيطرون على الدرب ضدا على التاريخ والجغرافيا.

حسن البصري/عن فلاش بريس