الأحد 28 أبريل 2024
راصد إنتخابي
آخر الأخبار
مغاربة العالم - الجهة 13

بعد قرن ونصف..«الموجة المرعبة» تهدد حياة عشرات الملايين

تابعونا على الفايسبوك

بوسكورة .. جنة مفقودة من عصر ما قبل التاريخ إلى عهد الحماية

زهير لزرك/باحث في علم التاريخ السبت 31 مارس 2018

زهير لزرك /باحث في علم التاريخ 

كانت بوسكورة إلى حد قريب مكانا هادئا يعمه السكون، وتنتشر به مجموعة من البرك المائية التي احتضنت أنواعا كثيرة من الطيور والنباتات...

يتحدث أهل بوسكورة الذين عايشوا فترة "الزمن الجميل" من تاريخها بحرقة وندم كبيرين على ما أصبحت عليه الآن؛ وذلك بعد الزحف الإسمنتي وانتشار رافعات البناء في كل أرجائها.

يؤكد "الحاج فاخر"، أحد الشهود الذين عاصروا الوجود الفرنسي بالمنطقة واستقرار جنسيات أمريكية وإسبانية وإيطالية بها...عن أن المجال كان مختلفا وكان أحسن بكثير من الناحية الجمالية في تصميم البنايات أو على مستوى تحديث القطاع الفلاحي، أو البنية التحتية في ذلك الوقت، بما في ذلك الاهتمام بتزويد مركز بوسكورة بالماء الصالح للشرب قبل مائة سنة من الآن.

وأدخلت سلطات الحماية مجموعة من الإجراءات على مجال بوسكورة منذ توقيع معاهدة الحماية سنة 1912م.

قبل الغوص في تاريخ هذه البقعة من مجال الشاوية، كان لا بد من معرفة معنى كلمة بوسكورة أو طبونيمية بوسكورة.

طبونيمية بوسكورة:

تتضارب الروايات حول المعنى الحقيقي لاسم بوسكورة أو بوزكورة كما ينطقها البعض؛ وكما جاء في تاريخ الضعيف الرباطي، عند ذكره للحرب التي دارت بين قبيلتي مديونة وأولاد احريز، بالقرب من واد بوسكورة، قال: "وفي يوم السبت الحادي عشر من رجب الفرد (سنة 1226 هجرية) كان قتال بين مديونة وأولاد حريز، فانهزمت خيل مديونة وتبعتها خيل أولاد احريز من طوالع بن سليمان إلى أن وصلوا بوزكورة، موضع مات فيه الحاج ابراهيم بن العروسي...". أما صاحب عبير الزهور، والذي نقل عن الضعيف، فقد كتب كلمة "بوسكورة" بالسين وليس كما جاءت في النص الأصلي "بوزكورة" بالزاي. ويمكن القول إنني لم أجد نصا تاريخيا يوضح معنى هذا الاسم. وبالنسبة للرواية الشفوية فالرائج روايتان تم تداولهما في هذا المجال:

الرواية الأولى تقول إن اسم بوسكورة يتكون من جزأين، الجزء الأول هو "بو"، ويعني لغة صاحب أو مالك، أما الثاني فشخص كان يسكن بالقرب من منبع وادي بوسكورة، مركز المدينة حاليا، وكان حسب الرواية نفسها يصطاد طائر الحجل بكثرة، ومن ثم أطلق عليه اسم "بوسكورة" بالتاء الساكنة، باعتبار "سكورة" أو "أسكورة" بالأمازيغية تعني الحجلة باللغة العربية، فأطلقت الساكنة بعد ذلك اسمه على المكان، ليتطور بعد ذلك اسم "بوسكورة"، فيطلق على مجال شاسع.

أما الرواية الثانية فيؤكد صاحبها أن اسم بوسكورة كان يطلق على شخص قدم من منطقة "سكورة" ناحية ورزازات، واستقر قرب منبع وادي بوسكورة، إلى أن توفي ودفن بمقبرة غير بعيدة عن المركز، سماها صاحب الرواية مقبرة "مول الكليتة"، وتعني صاحب البركة المائية؛ وبالتالي اشتق اسم بوسكورة من أصل هذا الشخص حسب تعبير صاحب الرواية.

بوسكورة خلال مرحلة ما قبل التاريخ:

عرف المغرب القديم مجموعة من الحضارات، خاصة خلال فترة ما قبل التاريخ. وقد بدأ البحث التاريخي الخاص بهذه المرحلة منذ سنة 1875م، وينقسم إلى أربعة مراحل حسب الأستاذ الهجراوي عبد الجليل:

المرحلة الأولى تغطي الفترة الممتدة من بداية 1875م إلى غاية تأسيس أول جمعية تضم كل الباحثين في هذا التخصص سنة 1926م.

المرحلة الثانية تبدأ من تأسيس الجمعية، إلى حين تسجيل أول موقع مغربي ضمن التراث الوطني سنة 1951م، وهو موقع "سيدي عبد الرحمان".

المرحلة الثالثة تمتد من 1951م إلى غاية تكوين الأطر المغربية الأولى التي تعمل في حقل ما قبل التاريخ بداية من سنة 1985م.

المرحلة الرابعة تهم البحث خلال السنين الأخيرة بمشاركة باحثين مغاربة.

يعتبر البحث في فترة ما قبل التاريخ من البحوث الرائدة في الأركيولوجيا عامة، لأن البحث يبقى دائما سباقا إلى استعمال العلوم الملحقة للبحث الأركيولوجي، كالجيولوجيا والفيزياء والكيمياء؛ وذلك لعدة أسباب، منها انعدام النص الكتابي في فترة ما قبل التاريخ. فالباحث في هذه الفترة لا يتوفر إلا على أدوات حجرية لا علاقة لها بما هو متداول حاليا؛ وهنا كنتيجة حتمية لا يمكننا دراسة الظواهر والأحداث بصفة عامة ومجملة.

بالإضافة إلى ذلك، فطبيعة الأدوات التي استعملها الإنسان القديم تبقى مختلفة تماما عن الأدوات الحالية، لا من ناحية المادة الأولية والشكل فقط، ولكن في طريقة الحصول عليها؛ فهي تفقد قيمتها التاريخية إن لم يرجع بها إلى محيطها الطبيعي والتاريخي، لنثبت أنها من بين الأشياء التي ساعدت الإنسان في التغلب على مصاعب حياته اليومية؛ فتبقى هذه الأدوات محط شك على مستوى صنعها، إلا بالنسبة للمتخصصين في هذا المجال حسب تعبير الهجراوي.

تم اكتشاف موقع ما قبل التاريخ بمركز بوسكورة خلال مرحلة الحماية من طرف MAURICE ANTOIN سنة 1927م، وهو موقع يعود إلى الحضارة "الإيبيروموروزية" "iberomaurusienne"، أو "الأيبيرومغربية" حسب تعبير محمد غانم الصغير.

أصل الحضارة الإبيروموروزية ومناطق انتشارها:

يعتبر مجموعة من الباحثين في فترة ما قبل التاريخ أن الإنسان المغاربي تطور بشكل لافت بعد لقاءات التأثير التي تمت بينه وبين الموستيريين الأوروبيين والنياندرتاليين الفلسطينيين خلال العصر الحجري القديم الأوسط. وقد يكون موقع "هوافتيح" الليبي قد لعب دور جسر حضاري في تلك اللقاءات التي تمت بين بلاد الشرق القديم عن طريق مصر العليا والواحات المصرية المغاربية. وفي الناحية الأخرى ساهم مضيق جبل طارق من الجهة الغربية من بلاد المغرب القديم في تلك اللقاءات.

وتحاول المدرسة الأوروبية إقناع الدارسين بأن الإيبيريين هم اللذين انتقلوا إلى شمال إفريقيا وكونوا ما عرف بالحضارة الإيبيروموروزية، إلا أن بعض الباحثين يرون عكس ذلك، واعتمدوا في ذلك على كون الإنسان بإمكانه أن يتنقل في المناطق المطيرة أكثر من المناطق التي يغطيها الجليد؛ وذلك شأن القارة الأوروبية آنذاك. أما علم الجينات فأكد عدم صحة الطرح الأوروبي بشأن الأصل الإيبيري، وهو الاكتشاف الذي وصل إليه فريق البحث تحت إشراف الأستاذ بوزوكار عبد الجليل، من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث بالرباط.

ويعد الباحث "بول بالاري p.pallary " أول من لاحظ الأدوات الميكروليتية لهذه الحضارة في المجال المغاربي، وذلك حين زار منطقة "المويلح" بالغرب الجزائري سنة 1899م، ولاحظ تصدر النصال لهذه الأدوات، وشرع في تنقيب الموقع للمرة الأولى سنة 1907م، على يد الباحث "أ.باربان A.barbin"، ثم بعده "س.كزيل st.gsell " سنة 1910م، ومنذ ذلك الحين أطلقت تسمية "الصناعة الإيبيروموروزية" على أدوات المويلح من طرف الباحثين اللذين درسوا الموقع، اعتقادا منهم أنها على صلة بحضارة العصر الحجري القديم الأعلى في شبه الجزيرة الإيبيرية.

ب – مناطق انتشار الحضارة الإيبيروموروزية :

بالنسبة لمناطق انتشار هذه الحضارة بالمغرب الأقصى فهي متعددة، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر، موقع تافوغالت، موقع بوسكورة، وهو الموقع الذي يهمنا في هذا المقال، والذي سنعود للتفصيل فيه، وموقع "بوغرارة" بتيزنيت، الذي استخرجت منه عدة أدوات حجرية إيبيوموروزية تعود إلى 16670 سنة قبل الميلاد. ويوجد هذا الموقع على السطح على حافة الجرف الموالي للمحيط بمنطقة بوغرارة. وقد تعرض جزء من الأدوات للتلف بسبب تراجع الجرف الساحلي، ما تسبب في سقوطها في مياه البحر. وقدر التأريخ المطلق بالكاربون الإشعاعي على قشور بيض النعام الموجود مع هذه الصناعة بـ16670 سنة قبل الميلاد.

*باحث في التاريخ